أتُرِيدِينَ السَّعَادَةَ أُختاه ..؟! هُنا بَعضٌ مِنها ♥
السَّعَادَةُ كَلِمَةٌ جَميلةٌ ، يَسْعَى الجَمِيعُ لتحقِيقِها لِنَفْسِهِ .
لكنْ لِكُلِّ طريقتُه في ذلك .
فالبَعضُ يُحاوِلُ تحقيقَ السَّعَادةِ لِنَفْسِهِ مِن خلال سَماعِ أُغنيةٍ ،
أو مُشاهَدةِ مُسلسلٍ ، أو مُتابعةِ مُباراةِ كُرةِ قَدَمٍ .
والبَعضُ يَظُنُّها في رِحلَةٍ لأحدِ المُتنَزَّهاتِ أو لإحدى البُلدان .
وهُناكَ مَن يَراها في فِعلٍ مَعصيةٍ تُشعِرُه بِلَذَّةٍ مُؤقَّتَةٍ .
في حِينِ يُحاوِلُ آخَرُونَ تَحقيقَ السَّعادةِ لأنْفُسِهم بطَاعَتِهم لِرَبِّهِم
جَلَّ وعَلا ؛ مِن خِلالِ مُحافَظتِهم على الصَّلاةِ ، والصِّيامِ ، وقِراءةِ
القُرآن ، والتَّصَدُّقِ ، وغيرِ ذلكِ مِنَ العِبَادَاتِ .
وهُنا سنُسَلِّطُ الضَّوْءَ - بإذنِ اللهِ - على سَبَبٍ مُهِمٍّ مِن أسبابِ
سَعَادَةِ المَرْءِ في الدُّنيا والآخِرة ، مِن خِلال كَلِمَاتٍ كَتَبها
الشيخُ : مُصطفى بن العَدَويِّ حَفِظَهُ اللهُ تعالى .
فأقبِلنَ أخيَّاتِي ؛ لِنَسْعَدَ مَعًا - بإذن الله - في دُنيانَا
لسلامةِ القلبِ عظيمُ الأثَرِ في سعادةِ المَرءِ في الدُّنيا والآخِرة ؛
فلا يكادُ العَبدُ ينتفعُ بشيءٍ في دُنياه وأُخراه أعظمَ مِن انتفاعِهِ
بسلامةِ قلبِهِ ، سلامتُهُ مِنَ الشِّركِ والنِّفاقِ والرِّياءِ والكِبْرِ والعُجْبِ
وسائِرِ الأمراضِ التي تعتريه ، ولا أعني : أمراضَ البَدَنِ التي منها
أمراضُ القلوبِ ، وإنَّما أعني : تِلكُمُ الأمراضَ التي تعتري القلبَ مِمَّا
يتعلَّقُ بدِينِهِ ؛ فَهِيَ أعظمُ الأمراضِ فَتكًا على الإطلاقِ ، وأشدُّها تدميرًا
وأسوأها أثرًا ؛ بل وليست هناك مُقارنةٌ على الإطلاقِ بين مَرَضٍ بَدَنِيٍّ
يَعتري القلبَ ويَحتاجُ إلى بعضِ الأدويةِ والمُسَكِّناتِ ، وبين مَرَضٍ يَجرَحُ
دِينَه ويُذهبُ تَقواه .
• فالأخيرُ يَجلِبُ على العَبدِ نَكَدًا وهَمًّا وغَمًّا وعذابًا في الدُّنيا والآخِرة .
أمَّا الأولُ فقد يُثابُ عليه العَبدُ المُؤمِنُ إذا صَبَرَ واحتسَبَ ، كسائِرِ
الأمراضِ التي يُثابُ عليها المُؤمِنُ إذا صَبَرَ واحتَسَبَ , كما جاء عن
رَسُولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه قال : (( ما يُصيبُ المُسلِمَ
مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ - حتى
الشَّوْكَةِ يُشاكُها - إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ )) رواهُ البُخارِيُّ .
ولَكِنْ مِن قُصُورِ نَظَرِ الخَلْقِ ، وقِلَّةِ أفهامِهم ، وضِيقِ مَدَارِكِهم ؛ لا
يُولون الأَهَمَّ والأخطَرَ - وهُوَ المَرض المُتعلِّق بالدِّينِ - أدنى أهميَّةٍ ،
وفي المُقابِلِ إذا شَعَرَ أحدُهم بأيِّ مَرَضٍ عُضوِيٍّ يَعتري قلبَه ، مِن
قِلَّةِ نَبَضَاتٍ أو سُرعتِها ، أو أيِّ نَوْعٍ مِن تِلْكُمُ الأمراض ؛ فإنَّه يُبادِرُ
وبِسُرعةٍ بالذّهابِ إلى الأطباءِ ، ويَسألُ عن أعلمِ أهلِ الطِّبِّ بِطِبِّ
القُلوبِ ، ويَبحَثُ عن أكثرِهم مَهارةً ، وأحذقِهم تطبيبًا ، ولم يَدَّخِر
وُسعًا في الذّهابِ إليه ، ولو كَلَّفَهُ ذلك الغالِيَ والنَّفِيسَ مِن دُنياه .
وخَفِيَ على هؤلاءِ أنَّ هذه الحياةَ الدُّنيا إنَّما هِيَ سنواتٌ قليلاتٌ ،
وأيَّامٌ مَعدودات ، وبعد ذلك فهُناكَ الدَّارُ الآخِرةُ التي هِيَ الحَيَوانُ ،
لو كانوا يَعلمُونَ .
تِلْكُمُ الدَّارُ التي يَحتاجُ القَرارُ فيها إلى سَلامَةِ القَلبِ مِنَ الشِّرْكِ
والنِّفَاقِ والعُجْبِ والرِّيَاءِ ، وسائِرِ الأمراضِ التي نَحنُ بِصَدَدِ
الحَدِيثِ عنها ؛ لِخُطُورَتِها ، وسُوءِ أثَرِهَا
وانظر كذلك إلى فائدةِ تَعَلُّقِ القلبِ بالمَساجِد , قال النبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم : (( سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا
ظِلُّهُ ....... ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ )) مُتَّفَقٌ عليه .
• فالخيراتُ والبركاتُ , والنَّصرُ والفُتُوحاتُ ، كُلُّ ذلك يَتنزَّلُ مِن
عِندِ اللهِ سُبحانَهُ على قَدْرِ ما في القُلُوبِ مِن خَيْر .
• وكذلك رَفْعُ الدَّرَجاتِ , وعُلُوُّ المنازِلِ ، ووِراثَةُ الجِنَانِ ، كُلُّ
ذلك مِن عَظِيم أسبابِهِ : ما في القُلُوبِ مِن خَيْر .
• واللهُ - سُبحانَهُ وتعالى - يَنظُرُ إلى القُلُوبِ والأعمالِ ، ويُجازي
عليها ، ويُثيبُ ويُعاقِب ، ففي صحيح مُسلِمٍ مِن حديثِ أبي هُريرةَ
- رَضِيَ اللهُ عنه - قال : قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم :
(( إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكُم وأموالِكم ، ولكنْ يَنظُرُ إلى قُلُوبِكُم
وأعمالِكُم )) .
• وفي رِوايةٍ لِمُسلِمٍ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ أيضًا ، قال : قالَ رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( لا تَحَاسَدُوا ، ولا تَنَاجَشُوا , ولا تَبَاغَضُوا ،
ولا تَدَابَرُوا , ولا يَبِعْ بَعضُكُم على بَيْعِ بَعض , وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخوانًا ،
والمُسلِمُ أخو المُسلِمِ ، لا يَظْلِمُه ، ولا يَخذُلُه ، ولا يَحْقِرُه ، التَّقْوَى هَا هُنا
- ويُشيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّات ... )) .
فَيَا سُبحانَ اللهِ ، ما أسْعَدَ أصحابِ القَلْبِ السَّلِيم !
• هَنيئًا لهم هؤلاءِ الذين وَحَّدُوا اللهَ ولم يُشرِكوا بِهِ شيئًا , ولم يُراءُوا ،
ولم يُنافِقُوا .
• هَنيئًا لهم هؤلاءِ القومِ الذين باتُوا وليس في قُلُوبِهم غِلٌّ للذين آمَنُوا .
• هَنيئًا لهم هؤلاءِ الذين أحَبُّوا للمُؤمِنينَ مَا أحَبُّوهُ لأنفُسِهِم .
• هَنيئًا لهم هؤلاءِ الذين حَافَظُوا على قُلُوبِهم ، ولم يُلَوِّثُوها ، بِذُنُوبٍ
تُرَسِّبُ عليها السَّوادَ والنَّكْتَ والرَّانَ والخَتْمَ .
• هَنيئًا لهم هؤلاءِ الذين اطمأنَّت قُلُوبُهم بِذِكرِ الله .
طُوبَى لِهَؤلاءِ ، وحُسْنُ مَآب .
يَكادُ أحَدُهُم يَطِيرُ في الهَواءِ مِن سَعادَتِهِ وخِفَّةِ قَلْبِهِ , وهُوَ يُحِبُّ
للمُؤمِنينَ الخَيْرَ ، وقَلْبُهُ نَظِيفٌ مِنَ الذُّنُوبِ والمَعَاصِي ، وقَلْبُهُ
سَعِيدٌ لِحُلُولِ الخَيْرِ على العِبادِ .
هنيئًا لهم هؤلاءِ الرُّحَمَاءِ أَرِقَّاءِ القُلُوبِ لِذَوِي القُرْبَى والمُسلِمِينَ